للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)} [الزمر: ٧٥].

فكأن الكون كله قال: الحمد لله رب العالمين، لما شاهدوا من حكمة الحق وعدله وفضله وإحسانه.

وقد أخبر سبحانه أنه إذا أهلك أعداءه أنجى أولياءه، ولا يعمهم بالهلاك بمحض المشيئة، كما قال سبحانه عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١)} [الشعراء: ١١٧ - ١٢١].

ولما سأله نوح - صلى الله عليه وسلم - نجاة ابنه أخبر أنه يغرقه بسوء عمله وكفره، ولم يقل إني أغرقه بمحض مشيئتي بلا ذنب ولا سبب.

كما أنه سبحانه ضمن زيادة الهداية للمجاهدين في سبيله، ولم يخبر أنه يضلهم ويبطل سعيهم، وكذلك ضمن زيادة الهداية، وحصول البركات للمتقين، الذين يتبعون رضوانه.

وأخبر سبحانه أنه لا يضل إلا الفاسقين، الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وأنه إنما يضل من آثر الضلالة على الهدى، فيطبع حينئذ على سمعه وقلبه، وأنه إنما يقلب قلب من لم يرض بهداه إذا جاءه ولم يؤمن به، ودفعه ورده.

فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه للحق، وأنه سبحانه لو علم في تلك المحال التي حكم عليها بالضلال والشقاء خيراً لأفهمها وهداها، ولكنها لا تصلح لنعمته، ولا تليق بها كرامته كما قال سبحانه: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)} [الأنفال: ٢٣].

وقد أزاح سبحانه العلل، وأقام الحجج، ومكن من أسباب الهداية، فمن يصلح للهداية هداه، ولا يضل إلا الفاسقين والظالمين، ولا يهدي المسرفين والمكذبين، ولا يطبع إلا على قلوب المعتدين، ولا يركس في الفتنة إلا المنافقين بكسبهم، وأنه لا يضل من هداه حتى يبين له ما يتقي، وإذا أعرض عن

<<  <  ج: ص:  >  >>