فيختار العبد لشقوته وسوء طبيعته الضلال على الهدى، والغي على الرشاد كما قال سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)} [الصف: ٥].
فهؤلاء لما انصرفوا عن الحق باختيارهم عاقبهم الله فلم يوفقهم للهدى، لأنهم لا يليق بهم الخير، ولا يصلحون إلا للشر، لأنهم أغلقوا على أنفسهم أبواب الهدى.
وأما المكر الذي وصف الله به نفسه، فهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء، ومنه أحسن شيء، لأنه عدل ومجازاة.
وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه، فهي منهم أقبح شيء، ومن الله أحسن شيء، لأنها عدل ومجازاة.
أما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فإن هذا الرجل عمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، ولو كان عملاً صالحاً مقبولاً للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه، فإن فيه آفة كامنة خذل بها في آخر عمره، فلو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه، والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض.
وأما شأن إبليس، فإن الله قال لملائكته: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} [البقرة: ٣٠].
فالرب تعالى كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا تعلمه الملائكة.
فلما أمرهم الله بالسجود، ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة والخشية والانقياد لأمر الله فبادروا إلى الامتثال والطاعة.
وظهر ما في قلب عدوه من الكبر والغش والكفر والحسد، فأبى واستكبر وكان من الكافرين.