وأما الجهل بقضائه وقدره، فقد نشأ بسببه نسبة ما لا يليق به إليه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فالجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، والعارف إنما يشكو إلى الله وحده.
وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه كما قال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)} [النساء: ٧٩].
فالمراتب ثلاث:
أخسها أن تشكو الله إلى خلقه .. وأعلاها أن تشكو نفسك إليه .. وأوسطها أن تشكو خلقه إليه.
والجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة في ثنايا التاريخ .. وليست المقابل لما يسمى بالعلم والحضارة.
وإنما حقيقة الجاهلية: هي رفض الاهتداء بهدي الله .. ورفض الحكم بما أنزل الله .. ورفض العمل بشرع الله.
فالجاهلية في الحقيقة هي التي تستنكر هدى الله .. وتستحب العمى على الهدى .. وتزعم أن ما هي فيه هو الخير المحض .. وأن ما تدعى إليه من الهدى هو الضرر والخسران كما قال سبحانه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)} [فصلت: ١٧].
وزوال هذه الجاهلية يكون بالإيمان، والأعمال الصالحة، وبذل الجهد لإعلاء