للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفر يكون غلظ العذاب يوم القيامة.

وغلظ الكفر الموجب للعذاب له ثلاث مراتب:

الأولى: من حيث العقيدة الكافرة في نفسها كمن جحد رب العالمين بالكلية، وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له، فلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كفرعون وهامان وقارون.

وهؤلاء هم الدهرية الذين جحدوا وجود الرب: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤)} [الجاثية: ٢٤].

الثانية: تغلظه بالعناد والضلال عمداً على بصيرة، مثل من شهد قلبه أن الرسول حق، لما رآه من آيات صدقه، وكفر عناداً وبغياً كقوم ثمود، وقوم فرعون، وكفر أبي جهل وزعماء قريش ونحوهم.

الثالثة: من سعى في إطفاء نور الله، وصد عباده عن دينه، بما تصل إليه قدرته.

فهؤلاء أشد الكفار عذاباً يوم القيامة، وعذابهم بحسب غلظ كفرهم، فمنهم من يجتمع في حقه الجهات الثلاث، أو اثنتان، أو واحدة، فليس عذاب هؤلاء كعذاب من هو دونهم في الكفر: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)} [النحل: ٨٨].

فمن دون هؤلاء في الكفر ممن هو ملبوس عليه لجهله، والمؤمنون منه في سلامة فلا ينالهم منه أذى، ولم يتغلظ كفره كتغلظ أولئك، بل هو مقر بالله ووحدانيته وملائكته، وجنس الكتب والرسل واليوم الآخر، وإن شارك أولئك في كفرهم بالرسول، فقد زادوا عليه أنواعاً من الكفر.

فكُفر أبي طالب ليس ككفر أبي جهل وأمثاله ممن آذوا الرسول والمؤمنين وحاربوهم، وعذاب أبي طالب أخف من عذاب أبي جهل وأمثاله.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أهْوَنُ أهْلِ النَّارِ عَذَابًا أبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>