للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهم والغم والظلمات، وإن كان فيما يرى الناس سعيداً.

فقلبه مظلم .. ووجهه مظلم .. وكلامه مظلم .. وعمله مظلم .. وفكره مظلم .. وحياته مظلمة .. ومصيره إلى الظلمة. {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥٧)} [البقرة: ٢٥٧].

فتلاطم أمواج الشبه والباطل في صدور الكفار كتلاطم أمواج البحار.

وقد شبه الله عزَّ وجلَّ أكثر الناس بالأنعام، والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له.

وجعل الأكثرين أضل سبيلاً من الأنعام، لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريق، فلا تحيد عنها يميناً ولا شمالاً، والأكثرون يدعونهم الرسل، ويهدونهم السبيل، فلا يستجيبون ولا يهتدون، ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم.

والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتجتنبه، وبين ما ينفعها فتؤثره: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} [الفرقان: ٤٤].

والله عزَّ وجلَّ لم يخلق للأنعام قلوباً تعقل بها، ولا ألسنة تنطق بها، وأعطى ذلك لهؤلاء، ثم لم ينتفعوا بما جعل الله لهم من القلوب والعقول والألسنة والأسماع والأبصار.

فهم أضل من البهائم، فمن لا يهتدي إلى الرشد، وإلى الطريق مع الدليل، أضل وأسوأ حالاً ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه.

والمؤمن حي، والكافر ميت، والميت لا يخاطب بأحكام الله الشرعية، ولا يطلب منه العمل بها، فإن القلب إذا مات لم يعد فيه إحساس ولا تمييز بين الحق والباطل، ولا إرادة للحق، وكراهة للباطل، بمنزلة الجسد الميت الذي لا يحس بلذة الطعام والشراب وألم فقدهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>