فإذا دخل الإيمان في قلبه دبت فيه الحياة، وصار حياً يعرف الحق ويقبله ويحبه، ويعمل به، ويؤثره على غيره كما قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)} [الأنعام: ١٢٢].
والله جلَّ جلاله فعال لما يريد، يمحو ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب.
والختم والطبع، والغشاوة والقفل، عقوبات عاجلة للكفار في الدنيا كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)} [البقرة: ٦، ٧].
ويمكن للعبد أن يفعل الأسباب التي يكشف الله بسببها عنه الطبع والختم، وفتح ذلك القفل يفتحه الذي بيده مفاتيح كل شيء.
فأسباب الفتح مقدورة للعبد، وإن كان فتح القفل، وفك الختم، غير مقدور له، كما أن شرب الدواء مقدور له، وزوال العلة، وحصول العافية، غير مقدور له.
فإذا استحكم به المرض لم يكن له عذر في ترك ما يستطيع من أسباب الشفاء، وإن كان الشفاء غير مقدور له.
فالعبد إذا عرف الهدى فلم يحبه، ولم يرض به، وآثر عليه الضلال، مع تكرر تعريفه بما يضره وما ينفعه، فقد سدَّ على نفسه باب الهدى بالكلية، ولو أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده نفعه وهداه، وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه، وأنه إن لم يهده الله فهو ضال، وسأل الله أن يقبل بقلبه، وأن يقيه شر نفسه، وفقه الله وهداه كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [العنكبوت: ٦٩].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «قال: يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا