للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ» أخرجه مسلم (١).

ولو أن المطبوع على قلبه، المختوم عليه، كره ذلك الضلال، ورغب إلى الله في فك ذلك عنه، وفعل مقدوره، لكان هداه أقرب شيء إليه.

لكن إذا استحكم الطبع والختم، حال بينه وبين كراهة ذلك، وسؤال الرب فكه، وفتح قلبه.

والرين الذي غطى الله به قلوب الكفار هو عين كسبهم وأعمالهم كما قال سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)} [المطففين: ١٤].

فغلظ الكفر سببه سوء الكسب والعمل، وكلما زاد زاد الرين الذي يمنع من قبول الحق ومعرفته ومحبته والعمل به.

والطبع والختم والغشاوة عقوبات لم يفعلها الله بعبده من أول وهلة حين أمره بالإيمان، ودعاه إليه.

وإنما عاقبه الله بها بعد تكرار الدعوة منه للكفار، وتكرار الإعراض منهم، والمبالغة في الكفر والعناد، فحينئذ يطبع الله على قلوبهم، ويختم عليها فلا تقبل الهدى بعد ذلك.

والإعراض والكفر الأول لم يكن مع ختم وطبع، بل كان منهم اختياراً، فلما تكرر منهم صار طبيعة وسجية.

وليس هذا حكماً يعم جميع الكفار، بل الذين آمنوا وصدقوا الرسل كان أكثرهم كفاراً قبل ذلك، ولم يختم على أسماعهم وقلوبهم.

فهذه الآيات في حق أقوام مخصوصين معاندين من الكفار، فعل الله بهم ذلك عقوبة منه لهم في الدنيا، بهذا النوع من العقوبة العاجلة، كما عاقب بعضهم بالمسخ قردة وخنازير، وبعضهم بالطمس على أعينهم، وبعضهم بخسف ديارهم.


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٥٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>