لعلمهم أن حكم الله ورسوله لا يحيد عن الحق، ولا ينحرف عن الهوى، ولا يتأثر بالمودة والشنآن.
هذا الفريق الناقص من الناس لا يريد الحق، ولا يطيق العدل، ومن ثم يعرضون عن التحاكم إليه: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩)} [النور: ٤٨، ٤٩].
إن الرضا بحكم الله ورسوله هو دليل الإيمان الحق، وهو المظهر الذي ينبئ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب، وهو الأدب الواجب مع الله ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وما يرفض حكم الله ورسوله إلا سيئ الأدب، لم يتأدب بأدب الإسلام، ولم يشرق قلبه بنور الإيمان.
إن حركة النفاق حركة مدنية، لم يكن لها وجود في مكة، لأنه لم يكن هناك ما يدعو إليها، فالمسلمون في مكة كانوا في موقف المضطهد الذي لا يحتاج أحد أن ينافقه.
فلما أعز الله الإسلام والمسلمين بالأوس والخزرج في المدينة، وانتشر في العشائر والبيوت، بحيث لم يبق بيت إلا دخله الإسلام، اضطر ناس ممن كرهوا للإسلام وللرسول أن يعز ويستعلي، ولم يملكوا في الوقت ذاته أن يجهروا بالعداوة، اضطروا للتظاهر بالإسلام على كره، وهم يضمرون الكفر والحقد والبغضاء، ويتربصون بالرسول وأصحابه الدوائر.
وكان وجود اليهود في المدينة، وتمتعهم فيها بقوة عسكرية ومالية، وكراهيتهم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولدينه وأتباعه مشجعاً للمنافقين.
وسرعان ما جمعتهم البغضاء والحقد، فأخذوا جميعاً يحيكون الدسائس والمؤامرات في كل مناسبة ضد المسلمين.
فإن كان المسلمون في شدة جهروا بعدائهم وبغضائهم .. وإذا كان المسلمون في رخاء ظلت المؤامرات والدسائس سرية .. ودبرت المكايد في الظلام.
فما أخطر المنافقين الذين تولوا عن الإيمان بعد إذ شارفوه: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا