للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم، ولم يقسم لكم من الغنيمة شيء؟

فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا، ونؤثرهم بالغنيمة، ولا نشاركهم فيها.

فلله در هذه النفوس الأبية، وتلك القلوب الزاكية النقية.

وشح النفوس هو المعوق عن كل خير، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، وقد حمى الله الأنصار منه.

ولا يمكن أن يفعل الخير شحيح يهم أن يأخذ دائماً، ولا يهم مرة أن يعطى. على يد هؤلاء المهاجرين. وهؤلاء الأنصار .. قام شكل الدين .. وقامت روح الدين .. وقامت أخلاق الدين .. وكمل بناء الدين على أجمل صورة.

وانتقلت أعمال الدين من جسد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هؤلاء، وكانوا نواة الإسلام الأولى، فحملوا الأمانة، وقاموا بها خير قيام، فرضي الله عنهم ورضوا عنه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} [التوبة: ١٠٠].

فأيُّ رجال أولئك؟ .. ماذا تركوا من الفضائل والأخلاق ما تجملوا به؟ .. وماذا تركوا من البلاد والأمصار ما فتحوها بلا إله إلا الله؟

أما الصورة الثالثة الجميلة الرضية الواعية فهي تمثل أول مجموعة انتقلت إليهم صفاتهم، وهم التابعون: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)} [الحشر: ١٠].

فهذه الآية تبرز أهم ملامح التابعين، كما تبرز أهم خصائص الأمة الإسلامية على الإطلاق، في جميع الأوطان والأزمان.

هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار، سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى الله في طلب المغفرة لنفسها، ولسلفها الذين سبقوها بالإيمان، وفي طلب براءة

<<  <  ج: ص:  >  >>