للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)} [الأنفال: ٧٤].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا، مَا أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، وَلا نَصِيفَه» متفق عليه (١).

إن حرية الاختيار التي أعطاها الله سبحانه للإنسان عبر عنها في القرآن الكريم بكلمة الأمانة فقال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢].

والأمانة معناها العام: أن يعطيك أحد شيئاً تحفظه عندك كأمانة بلا شهادة أحد، فإن كان هناك شهود، أو كُتب على ورقة، فهو دَيْن لا أمانة.

والأمانة التي حملها الإنسان، عرضها الله قبل ذلك على عدد من مخلوقاته العظام، السموات والأرض والجبال، لكن هذه المخلوقات جميعاً رفضت أن تحمل الأمانة، لأنها أحست أنها لن تستطيع أن تفي بها.

فالنِّعم التي أعطاها الله سبحانه لنا، لها حق أداء الشكر، وهذه المخلوقات كلها أحست بعجزها عن أداء حق الشكر لله عليها، ولذلك رفضت تحملها.

وجاء الإنسان وقَبِل حمل الأمانة، قَبِل أن يأخذ النِّعم، ويؤدي عنها حق الشكر، وحق العبادة لله، وأن يكون في ذلك مختاراً يفعل أو لا يفعل، وفرح الإنسان بأن لديه رصيداً من النعم التي سخرها الله له، يستطيع أن يسحب منها كما يشاء، دون أن يؤدي حق الله فيها، حق الشكر، وحق العبادة، وحق الطاعة.

ولقد كان الإنسان حين فرح بذلك ظلوماً لماذا؟

لأنه ظلم نفسه، فتحمل ما لا تقدر عليه هذه النفس الضعيفة، أمام مغريات الكون وشهواته.

ولأنه ظلم غيره، لأن البعد عن منهج الله سبحانه لا يتم إلا بظلم، فلو اتبعنا


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٦٧٣)، ومسلم برقم (٢٥٤٠) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>