للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن علامات صحته أنه يشتاق إلى الخدمة والعبادة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام أو الشراب، وأنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه.

ومن علامات صحته أن يكون همه واحدًا، وأن يكون في الله، وأن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعًا من أشد الناس شحًا بماله.

وأن يكون اهتمام العبد بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل.

فيحرص فيه على الإخلاص والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه، وتقصيره في حق الله جل جلاله.

فالقلب السليم الصحيح هو الذي همه كله في الله، وحبه كله لله، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له، وحديثه له، والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم حول مراضيه، ومحابه سبحانه.

وكلما وجد من نفسه تقاعسًا أو التفاتًا إلى غيره تلا عليها: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} [الفجر: ٢٧ - ٣٠].

فإذا انصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية، صارت العبودية صفة له، وأتى بها توددًا وتحببًا وتقربًا.

فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي قال: لبيك وسعديك، والمنّة لك، والحمد فيه عائد إليك: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)} [البقرة: ٢٨٥].

وإن أصابه قدر قال: أنت ربي العزيز الرحيم، وأنا الفقير العاجز الضعيف، لا صبر لي إن لم تصبرني، ولا ملجأ لي منك إلا إليك.

وإن أصابه ما يكره قال رحمة أهديت إلي، وإن صرف عنه ما يحب قال شرًا صرف عني.

فكل ما مسه به من السراء والضراء، اهتدى بها طريقًا إليه، وانفتح له منه باب يدخل منه عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>