للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قضاه الله وقدّره واختاره لعبده.

وهذه جناية كبرى على التوحيد والإيمان والدين.

وأما كونه ضررًا عليك في الدنيا، فهو أنك تتألم في الدنيا، أو تتعذب به، فالذين تحسدهم لا يخليهم الله من نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتألم بكل نعمة تراها، وتتعذب بكل بلية تصرف عنهم، فتبقى مغمومًا محرومًا، قد نزل بك ما تشتهيه لأعدائك.

فهذه هي الأدوية العلمية، فإذا فكر الإنسان فيها بذهن صافٍ، انطفأت نار الحسد من قلبه، وعلم أنه مهلك لنفسه، ومفرح عدوه، ومسخط ربه، ومنغص عيشه.

وأما العمل النافع فيه، فهو أن يحكم الحسد، ويكلف نفسه نقيضه، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده، كلف لسانه المدح له، والثناء عليه.

وإن حمله الحسد على التكبر عليه، ألزم نفسه التواضع له، والاعتذار إليه.

وإن بعثه على كف الإنعام عليه، ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه، فإذا عرف المحسود ذلك طلب قلبه وأحبه، وجاءت الموافقة التي تقطع مادة الحسد.

فهذه أهم أدوية الحسد، وهي نافعة جدًا، إلا أنها مرة على القلوب جدًا، ولكن النفع في الدواء المر، فمن لم يصبر على مرارة الدواء، لم ينل حلاوة الشفاء.

ومن أمراض القلوب حب الدنيا فكرًا .. وطلبًا .. وتمتعًا، والإعراض عن الآخرة، ومن اتخذ الدنيا ربًا اتخذته عبدًا، والعاقل من يرضى منها بالقليل مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بقليل الدين مع سلامة الدنيا.

ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره، وبقدر ما يحزن الإنسان للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبه.

وبقدر ما يحزن العبد للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبه.

فالدنيا والآخرة ضُرَّتان .. فبقدر ما ترضى إحداهما تسخط الأخرى، وبقدر ما تعمر إحداهما تهدم الأخرى .. وبقدر ما تقدم إحداهما تؤخر الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>