للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا، حتى يقتله الشرب.

والدنيا سريعة الفناء، تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة، وهي سائرة سيرًا عنيفًا، وهي كالظل فإنه متحرك ساكن، متحرك في الحقيقة ساكن في الظاهر.

والدنيا كالأرض إن مشيت عليها حملتك، وإن حملتها على رأسك قتلتك.

وهي دار ضيافة سبلت على المجتازين لا على المقيمين .. ودار عارية لا دار ملك .. ودار فناء لا دار بقاء .. ودار زوال والآخرة هي دار القرار.

والعاقل من صرف همه عنها حتى لا يتألم عند فراقها، ويأخذ منها بقدر الحاجة ما يستعين به على عبادة ربه.

وأما الشهوات فيقمع منها ما خرج عن طاعة الشرع والعقل، ولا يتبع كل شهوة، ولا يترك كل شهوة، بل يتبع العدل، وخير الأمور أوسطها.

ولا يترك كل شيء في الدنيا، ولا يطلب كل شيء من الدنيا، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا، ويأخذ منه قدر حاجته.

فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة .. ويأخذ من المسكن ما يكن من الحر والبرد .. ويحفظ الأهل والمال من اللصوص .. ويستقل من المركب ما يحمله لحاجاته من غير إسراف ولا مخيلة .. ويلبس من الكسوة ما يستر عورته .. ويتجمل به في صلاته، ويتزين به في العيد ولقاء الضيوف.

حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله بكليته، واشتغل بالذكر والفكر والطاعات في جل وقته، وكل ميسر لما خلق له، والله شكور حليم.

ومن أمراض القلب: الحرص والطمع.

فالمال وسيلة إلى مقصود صحيح، ويصلح أن يكون آلة ووسيلة إلى مقاصد فاسدة، فهو بحسب استخدامه يكون محمودًا أو مذمومًا.

ولما كانت الطباع مائلة إلى اتباع الشهوات القاطعة عن سبيل الله، وكان المال

<<  <  ج: ص:  >  >>