وأي افتخار في صفة يسبقك فيها البهائم؟ .. ويأكل بها القوي الضعيف؟.
أما الغنى وكثرة المال، وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار، فكل ذلك تكبر خارج عن ذات الإنسان.
وهذا أقبح أنواع الكبر.
فإن المتكبر بماله كأنه متكبر بفرسه وداره، ولو مات فرسه وانهدمت داره لعاد ذليلاً.
والمتكبر بمعرفة السلطان وتمكينه له على وجل، فلو تغير عليه كان أذل الخلق.
أما الكبر بالعلم، فهو أعظم الآفات، وأغلب الأدواء، وأبعدها عن قبول العلاج إلا بجهد جهيد، وتعب شديد، لأن قدر العلم عظيم عند الله، عظيم عند الناس، وللعلم طغيان في النفوس كطغيان المال.
ولن يقدر العالم على دفع الكبر إلا أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عشره من العالم، إذ من عصى الله تعالى عن معرفة وعلم فجنايته أفحش وذنبه أعظم من الجاهل.
وأن يعرف كذلك أن الكبر لا يليق إلا بالله الملك العزيز الجبار المتكبر وحده، وأنه إذا تكبر صار ممقوتًا عند الله، لأن اللائق بالمخلوق الضعيف العاجز التذلل والخضوع لا الكبر.
وأما التكبر بالورع والعبادة فذلك فتنة عظيمة على العباد، وسبيله أن يلزم قلبه التواضع لسائر الخلق، ويعلم أن من تقدم عليه بالعلم لا ينبغي أن يتكبر عليه كيفما كان، لما عرفه من فضيلة العلم.
والعجب من أمراض القلوب، وهو يدعو إلى الكبر، ويدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، لظنه أنه مستغنٍ عن تفقدها، وما يتذكره منها يستصغره ولا يستعظمه فلا يتداركه، بل يظن أنه يغفر له.
وأما العبادات والأعمال فإنه يستعظمها ويستعلي بها، ويمن على الله بفعلها، وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق لها، والتمكين منها، ثم إذا أعجب بها عمي عن