للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم، وهذا من مقتضيات عدل الله وحكمته ورحمته، فإن خواطر القلوب، وإرادات النفوس، لا تدخل تحت الاختيار، فلو ترتبت عليها الأحكام، لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة، ورحمة الله تعالى وحكمته تأبى ذلك.

والغلط والسهو والنسيان وسبق اللسان بما لا يريده العبد، أو التكلم به مكرهًا وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية، لا يكاد الإنسان ينفك عن شيء منه، فلو رتب عليه الحكم لحرجت الأمة، وأصابها غاية التعب والمشقة، فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله، حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر، وكذلك الخطأ والنسيان، والإكراه والجهل بالمعنى، وسبق اللسان بما لم يرده، والتكلم في الإغلاق، ولغو اليمين.

فهذه عشرة أشياء لا يؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها، لعدم قصده ونيته، وعقد قلبه الذي يؤاخذ به، فالأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.

فالخطأ من شدة الفرح كما في حديث فرح الرب بتوبة عبده، وقول الرجل من شدة فرحه لما وجد راحلته: «اللَّهُمَّ! أنْتَ عَبْدِي وَأنَا رَبُّكَ أخْطَأ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» أخرجه مسلم (١).

وأما الخطأ من شدة الغضب فكما قال سبحانه: فلو أجاب الله دعاء من دعا على نفسه وولده حال الغضب، لأهلك الداعي من دعا عليه.

وأما الخطأ من السكر فكما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣].

فلم يرتب على كلام السكران حكمًا حتى يعلم ما يقول.

وأما الخطأ والنسيان فقد قال سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦].


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٧٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>