فإن عذبه عليها فبعدله، وإن غفرها له فبمحض إحسانه وجوده.
ومن أعجب الأشياء:
أن تعرف الله بجلاله وجماله ثم لا تحبه ولا تطيع أمره.
وأن تسمع داعيه يدعوك إليه ثم لا تجيبه.
وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره وتعرض عنه.
وأن تعرف قدر حلمه وعفوه ومغفرته ثم لا تقف ببابه.
وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له بالمنكرات والمعاصي: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} [الحج: ٤٦].
فسبحان الله ما أضعف بصائر العباد؟.
كيف يُخاف ويُرجى من لا حول له ولا قوة، ولا يملك مثقال ذرة؟.
بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان، ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه.
فإنه على قدر خوفك من غير الله، يسلطه الله عليك، وعلى قدر رجائك لغير الله يكون الحرمان.
وأساس كل خير أن يعلم العبد أن الله يراه ويسمعه، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن مقاليد الأمور كلها بيد الله وحده.
وحينئذ يتيقن العبد أن الحسنات من نعم الله فيشكره عليها.
ويتضرع إليه أن لا يقطعها عنه.
وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فيبتهل إليه أن يحول بينه وبينها، وأن لا يكله في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسه.
والعارف: هو من عرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم صدق الله في معاملته، ثم أخلص له في نيته ومقصوده وعمله.
ثم انسلخ من أخلاقه الرديئة، وآفاته المشينة.
ثم تطهر من أوساخه وأدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أحكام الله في نعمه