للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلياته.

ثم دعا إليه على بصيرة بدينه وآياته، ثم جرد الدعوة إليه وحده بما جاء به رسوله.

ومن علامات المعرفة بالله حصول الهيبة منه، وحصول السكينة، فمن ازدادت معرفته بربه، ازدادت هيبته وسكينته، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف.

ومن عرف الله تعالى بكماله وجلاله وجماله ضاقت عليه الدنيا بسعتها شوقاً إلى ربه، فالدنيا سجن المؤمن، واتسع عليه كل ضيق؛ لأطمئنانه بربه وثقته به.

ومن عرف الله عزَّ وجلَّ قرت عينه بالله، وقرت عينه بالموت، وقرت به كل عين، وصفا له العيش، وهابه كل شيء، وذهب عنه خوف كل مخلوق.

ومن عرف الله تبارك وتعالى لم يبق له رغبة فيما سواه، ومن عرف الله أحبه على قدر معرفته به، وتلذذ بذكره وعبادته، وخافه ورجاه، وتوكل عليه وأناب إليه، ولهج بذكره، واشتاق إلى لقائه، واستحيا منه، وأجله وعظمه على قدر معرفته به.

والعارف لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاتب، ولا يرى له على أحد فضلاً، ولا يرى له على أحد حقاً، ولا يأسف على فائت، ولا يفرح بآت.

ولا يكون العارف عارفاً حتى يكون كالأرض صبوراً يطؤها البر والفاجر، ونافعاً كالسحاب نافعاً يظل كل شيء، وكالمطر يسقي ما يحب وما لا يحب، وكالشمس ينور كل ما مر به.

والعارف ملازم لشيئين:

بكاء على نفسه .. وثناء على ربه.

وذلك لعلمه ومعرفته بنفسه وآفاتها وعيوبها، ومعرفته بربه وكماله وجلاله.

والعارف أنسه بربه، ووحشته ممن يقطعه عنه، أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلَّ لله فأعزه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأحوجهم إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>