وإن كان الحق ظاهراً لا شبهة فيه أقدم على مخالفته وقال: لي مخرج بالتوبة، وفي هؤلاء وأشباههم يقول سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦٩)} [الأعراف: ١٦٩].
وهؤلاء لا بدَّ أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل، فيجتمع لهم الأمران، فإن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه فيرى السنة بدعة، والبدعة سنة.
فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدنيا على الدين، واتبعوا الرياسات والشهوات، يضل أحدهم بعد العلم، ويغوى بعد الرشد، ويتبع الشيطان، ويرغب عن هدى ربه ويتبع هواه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)} [القصص: ٥٠].
فهذا حال العالم المؤثر الدنيا على الآخرة.
وأما العابد الجاهل، فآفته من إعراضه عن العلم وأحكامه، وغلبة ما تهواه نفسه على ما شرعه ربه.
وعلماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم.
فنفر الناس عنهم وقالوا: لو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة هداة وأدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق، فهم كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب، وتبقى فيه النخالة من الشوك والحجر.
وكذلك علماء السوء يخرج منهم الحكم، ويبقى الغل في صدورهم، والإضلال في أعمالهم.
وليس العلم بكثرة الرواية والحفظ، إنما العلم نور يقذفه الله في القلب يورث