في الإسلام من تماسك، وما في القرآن من سمو وارتفاع، ولكنه الكبر والجحود والحسد: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)} [الأنعام: ٣٣].
ولقد كانوا ينفرون من كلمة التوحيد التي تهدد وضعهم الاجتماعي، والفطرة تدفعهم إلى التسمع والتأثر، والكبرياء تمنعهم من التسليم والانقياد: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)} [الإسراء: ٤٦].
وكما أن الروح من الأسرار التي اختص الله بعلمها، كذلك القرآن كلام الله الذي اختص الله بعلمه وتنزيله، ولا يملك الخلق محاكاته، ولا يملك الإنس والجن- وهما يمثلان الخلق الظاهر والخفي- أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله، ولو تظاهروا وتعاونوا في هذه المحاولة: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨].
فلا يمكن للبشر ولا للجن ولا لغيرهم أن يأتوا بمثله، وهو كالروح من أمر الله، لا يدرك الخلق سره الشامل الكامل، وإن أدركوا بعض أوصافه وخصائصه وآثاره.
ولقد أنزل الله هذا القرآن ليربي أمة، وينشئ مجتمعاً، ويقيم نظاماً، والتربية تحتاج إلى زمن وإلى تأثر وإلى انفعال، وإلى حركة تترجم التأثر والانفعال إلى واقع.
والنفس البشرية لا تتحول تحولاً كاملاً شاملاً بين يوم وليلة بقراءة كتاب كامل شامل لمنهج الحياة.
إنما تتأثر يوماً بعد يوم بطرف من هذا المنهج، وتتدرج في مراقيه رويداً رويداً، وتعتاد على حمل تكاليفه شيئاً فشيئاً.
فلا تجفل منه كما تجفل لو قدم لها ضخماً ثقيلاً عسيراً.
ومن هنا ندرك جهل الكفار في طلبهم إنزال القرآن جملة واحدة كما قال الله