وفي المحسوس المشاهد النفس تنمو في كل يوم بالوجبة المغذية، فتصبح في اليوم التالي أكثر استعداداً للانتفاع بالوجبة التالية، وأشد قابلية لها والتذاذاً بها.
لقد جاء كتاب الله الكريم بمنهاج شامل للحياة كلها، وجاء في الوقت ذاته بمنهاج للتربية يوافق الفطرة البشرية عن علم بها من خالقها، فجاء لذلك منجَّماً وفق الحاجات والاستعدادات التي تستجد وتنمو يوماً بعد يوم.
جاء ليكون كتاب عمل، وليكون منهج تربية، ومنهج حياة، لا ليكون كتاب ثقافة يُقرأ لمجرد اللذة، أو لمجرد المعرفة.
جاء لينفذ حرفاً حرفاً، وكلمة كلمة، وآية آية، وسورة سورة.
جاء لتكون آياته هي الأوامر اليومية التي يتلقاها المسلمون في حينها، ليعملوا بها فور تلقيها في جميع شئون حياتهم.
ولقد حقق القرآن بمنهجه ذاك الجمال والجلال، والعظمة والهيبة في حياة الأمة التي تلقته بالقبول والعمل.
فلما غفل المسلمون عن هذا المنهج، وزحزحوا عنه، وزهدوا بما فيه من البركات والثمرات، وقعوا على جيفة الدنيا، وموائد الشيطان، واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة، وكتاب تعبد للتلاوة فحسب، وأحياناً تفتتح الجلسات والحفلات بآيات منه، ولم يتخذوه منهج تربية للانطباع والتكيف، ولا منهج حياة للعمل والتنفيذ، فلم ينتفعوا من القرآن بشيء، وحرموا بركته؛ لأنهم خرجوا عن منهجه الذي رسمه العليم الخبير.
فيا ويح هذه الأمة ماذا خسرت، وماذا فقدت حين أعرضت عن مصدر هدايتها وعزتها؟.
إن الله تبارك وتعالى كما أنزل من السماء ماء طهوراً، يغسل وجه الأرض بالماء الطهور، الذي ينشئ الحياة في الموات، ويسقي الأناسي والأنعام، كذلك هو