للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه أنزل القرآن لتطهير القلوب والأرواح وإحيائها: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٥٠)} [الفرقان: ٤٨ - ٥٠].

فوا عجباً لهؤلاء البشر، كيف يستبشرون بالماء المحيي للأجسام، ولا يستبشرون بالقرآن المحيي للقلوب؟.

إن مهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهمة شاقة ضخمة، فهو يواجه البشرية كلها، وأكثرها أضله الهوى، وأبى إلا الكفر، ودلائل الإيمان حاضرة أمامه.

والله قادر على أن يبعث في كل قرية نذيراً، فتوزع المهمة، وتخف الشقة، ولكن الله اختار لها عبداً واحداً هو خاتم الرسل.

وكلفه إنذار القرى جميعاً، لتتوحد الرسالة الأخيرة، فلا تتفرق على ألسنة الرسل في القرى المتفرقة، وأعطاه القرآن أعظم الكتب وآخرها، ليجاهدهم به، ويحكمه في حياتهم.

ففيه من القوة والسلطان والتأثير العميق والجاذبية التي لا تقاوم ما كان يهز القلوب هزاً، يجاهدهم بقوة لا يقف لها كيان البشر، ولا يثبت لها جدال أو محال: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (٥٢)} [الفرقان: ٥١، ٥٢].

والله عزَّ وجلَّ قادر على أن يلوي أعناق الكفار إلى الإيمان كرهاً بآية قاهرة، تقسرهم عليه قسراً: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤)} [الشعراء: ٤].

لكنه سبحانه لم يشأ أن يجعل مع هذه الرسالة الأخيرة آية قاهرة يراها جيل من الناس، بل جعل آيتها دائمة يراها كل البشر، وهي القرآن الكريم، الذي هو منهج حياة كاملة، ومعجز في كل ناحية.

ذلك أن هذه الرسالة الأخيرة مفتوحة للأمم كلها، وللأجيال كلها، وليست مغلقة على أهل زمان أو أهل مكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>