فناسب أن تكون معجزتها مفتوحة لكل أمة في مشارق الأرض ومغاربها، ومعروضة على كل جيل من أجيال البشرية إلى يوم القيامة: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} [العنكبوت: ٥١].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنَ الأنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْياً أوْحَاهُ الله إِلَيَّ، فَأرْجُو أنْ أكُونَ أكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه (١).
فالمعجزات القاهرة لا تلوي إلا أعناق من يشاهدونها، ثم تبقى بعد ذلك قصة تروى لا واقعاً يُشهد ويُرى.
فأما القرآن فهو كتاب مفتوح، ومنهج مرسوم، يستمد منه أهل كل زمان ما يقوم حياتهم، ويلبي حاجاتهم كاملة، ويقودهم بعدها إلى عالم أفضل، وأفق أعلى، ويعطي لكل طالب بقدر حاجته.
فكيف يليق بالإنسان أن يعرض عن هذا القرآن العظيم؟.
وكيف يجهل عظيم رحمة الله بتنزيل هذا الذكر الحكيم؟.
ألا ما أحوج البشرية إلى كتاب يهديها إلى ربها، وينظم حركة حياتها.
فإذا جاء من ربها ورفضته، وحرمت نفسها منه، وهي أحوج ما تكون إليه، فهذا فعل مستقبح كريه، وأهله جديرون بالعقاب والعذاب، وسيعاقبهم الله؟.
فما أعجب هؤلاء البشر: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)} [الشعراء: ٥، ٦].
إنهم يطلبون آية خارقة، ويغفلون عن آيات الله الباهرة: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨)} [الشعراء: ٧، ٨].
وفي آيات الكون غنى ووفرة وكفاية، ولكن رحمة الله تقتضي أن يبعث الرسل،
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٩٨١)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٥٢).