ويترقى ويحضر قلبه، وكأنه يقرؤه على الله عزَّ وجلَّ، واقفاً بين يديه، وهو ناظر إليه يستمع منه.
فيكون حاله السؤال والتملق، والتضرع والابتهال، ويشهد بقلبه كأن الله عزَّ وجلَّ يراه ويخاطبه بألطافه، ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه هنا:
الحياء والتعظيم .. والإصغاء والفهم .. والحمد والشكر.
متفكراً في عظمة ربه، وفي آلائه وإحسانه، وفي خلقه وأمره.
يتبرأ من حوله وقوته، ولا يزكي نفسه، فإذا تلا آيات الوعد والمدح للصالحين، فلا يشهد نفسه عند ذلك.
بل يشهد الموقنين الصادقين فيها، ويتشوف إلى أن يلحقه الله بهم.
وإن تلا آيات الوعيد والمقت للعصاة وذم المقصرين، شهد نفسه هناك، وقدر أنه المخاطب خوفاً وإشفاقاً، وسأل الله أن يرحمه ويعفو عنه، فالناس رجلان: تائب وظالم: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)} [الحجرات: ١١].
وقد وصف الله القرآن الكريم بأربع صفات كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)} [يونس: ٥٧].
وقد أنزل الله عزَّ وجلَّ القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم -، فعالج به القلوب المريضة بالشرك والكبر والظلم.
فوحدت ربها .. وآمنت به .. وخضعت له .. واستقامت على دينه.
والطبيب إذا وصل إليه المريض فله معه أربع مراتب:
الأولى: أن ينهاه عن تناول ما يضره، ويأمره بالاحتراز من الأشياء التي بسببها وقع في ذلك المرض، وهذا هو الموعظة.
الثانية: أن يأمره بتناول الأغذية النافعة، بعد أن يسقيه أدوية تزيل عن باطنه تلك الأخلاط الفاسدة، وهكذا الأنبياء يأمرون الناس بالأخلاق الحميدة بعد زوال الأخلاق الذميمة، وهذا هو الشفاء.