بل كان متقلباً بين ظهرانيهم .. يبلغ رسالة ربه .. ويعود مرضاهم .. ويشيع موتاهم .. ويفصل في قضاياهم .. ويفض منازعاتهم .. ويجيب داعيهم .. ويستقبل أدناهم وأشرفهم .. ويكرمهم بالكلمة الطيبة .. ويواسي محتاجهم.
وهم في كل ذلك مقبلون عليه بآذان صاغية، وقلوب واعية.
وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصحابه سيخلفونه من بعده، وسيقع على كاهلهم أمر الإرشاد والتعليم والإفتاء والدعوة، فأتى في دروسه العلمية بأمور كان لها أكبر الأثر في توجيه الصحابة وتعليمهم كيف يضطلعون بمهنة التعليم والإرشاد.
فكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا سئل عما لا يعلم سكت حتى يأتيه الوحي من الله بذلك.
وكان من هديه أنه إذا قال كلمة أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه.
وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه ربما طرح المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم، وليشحذ أذهانهم للفهم.
وكان إذا سئل عن مسألة فأجاب عنها، أفاض في مسائل أخرى لها مناسبة بالمقام، أو صلة بالجواب، فيستطرد ليفيد السائل والحاضرين علماً جديداً.
وكان يخص بعض أصحابه بالعلم دون بعض مخافة ألا يفهموا فيفتنوا.
إلى غير ذلك من الأمثلة والآداب والمواعظ التي تلقوها منه، حتى كانوا أئمة في الدين، أساتذة في التعليم، أمناء على أحكام الدين.
فما أحسن الاستجابة لله والرسول، وما أجدر العاقل بذلك.
إن الإسلام يدعو الناس إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول، وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة، وتخلص النفوس من ضغط الأوهام والأساطير، ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة، ومن العبودية لغير الله إلى العبودية لله وحده: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤].
ويدعوهم إلى شريعة من عند الله يكملون بها ويسعدون في الدنيا والآخرة.