ولولا الله تبارك وتعالى ما زكى أحد أبداً، ولكن الله أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة، وبعثه إليهم بالهدى ودين الحق: ليطهر أرواحهم وقلوبهم من دنس الشرك ولوثة الجاهلية وخرافاتها.
ويطهرهم من لوثة الشهوات والنزوات التي تزري بهم إلى أقل من رتبة الأنعام.
ويطهر مجتمعهم من الربا والسحت، والغش والكذب، والسلب والنهب.
ويطهر حياتهم من الظلم والبغي والعدوان بنشر العدل والإحسان والرحمة.
ويطهرهم من كل ما لا يليق بكرامتهم، ويتنافى مع إنسانيتهم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)} [الجمعة: ٢].
وقد جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمة وهي خالية من هذه الصفات، فنقلها بتوفيق الله وعونه تدريجياً إلى هذه القمة السامقة:
من الكفر إلى الإيمان .. ومن الشرك إلى التوحيد .. ومن الجهل إلى العلم .. ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله .. ومن الظلم إلى العدل .. ومن الضلال إلى الهدى .. ومن الإثم والعدوان إلى البر والتقوى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)} [آل عمران: ١٦٤].
وعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - هو عمل الأمة من بعده، كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١].
وكل حديث صحيح حجة على جميع الأمة، يجب العمل به والأخذ بمضمونه ما لم ينسخ، أو يخصص، كما يجب العمل بحكم كل آية في كتاب الله ما لم تنسخ أو تخصص، فالسنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول التشريع بعد القرآن الكريم.