ولأهمية العلم وشرفه أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يطلب المزيد منه فقال سبحانه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)} [طه: ١١٤].
ولا ينبغي لأحد أن يحسد أحداً حسد غبطة ويتمنى مثل حاله من غير أن يتمنى زوال نعمة الله عنه إلا في اثنتين: وهي الإحسان إلى الناس بعلمه أو بماله، وما عدا هذين فلا ينبغي غبطته ولا تمني مثل حاله، لقلة منفعة الناس به.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» متفق عليه (١).
وقيمة الشيء ترتفع بقدر ما فيه من المنافع، وبقدر ما فيه من الصفات، وكذلك قيمة المسلم عند الله ترتفع بقدر ما فيه من المنافع والصفات الإيمانية كما قال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)} [المجادلة: ١١].
وكمال المسلم بإصلاح نفسه، وإصلاح غيره.
فالداعية: كالنهر يجري في كل مكان، ويكون سبباً لنبات الزروع والأشجار، وكالشمس تجري ويدخل ضوؤها في كل مكان.
والعالم: كالمصباح يستفيد منه كل من اقترب منه، وكالبئر يؤمه الناس ليرتووا منه، وفي كل خير.
وإذا كان الداعي يجتهد على الكفار والشاردين خارج المسجد، والعالم يعلم الناس أحكام الدين داخل المسجد، امتلأت الدنيا نوراً، وازدانت بأهل الإيمان والعلم والتقوى، وفتحت عليها بركات السماء والأرض: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦].
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٠٢٦)، ومسلم برقم (٨١٦) واللفظ له.