للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الأعمال الصالحة لا تكون صالحة إلا بالعلم، وبالعلم تكون الأعمال مقبولة من صلاة وزكاة، وصيام وحج وغيرها.

فنتعلم فضائل وأحكام ما نريد أن نعمله، ليكون مطابقاً لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه مسلم (١).

ولكن قد يقوى الإيمان، وتكون الأعمال صالحة، لكن قد تأتي بعض العوائق فتفسد العمل كالكبر والرياء، والفخر والعجب، ولذلك لا بدَّ من التزكية بالعبادة التي تهذب الأخلاق، وتزكي النفوس بما تشتمل عليه من الصدق والإخلاص، والإحسان والخشوع، والصبر والحلم وحسن الخلق.

فخير القرون الذي اكتملت فيه هذه الصفات الأربع في حياة الأمة، هو القرن الذي عاش فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» متفق عليه (٢).

وبالجهاد تظهر قوة الدين، ويتم حفظه ونشره، وقمع المعتدين عليه.

ثم صار الجهاد من أجل الملك والمال لا من أجل إعلاء كلمة الله، فضعفت الدعوة إلى الله، فأقبل أكثر الناس على الدنيا، واشتغلوا بوظائفها، وانصرف الزهاد والصالحون إلى العلم والعبادة.

ثم تولد عن طلب العلم بدون العمل به كثرة الجدل، وأكل حطام الدنيا به، ودخلت الأهواء وحب الدنيا في طلب العلم، فانصرف خيار الناس عنه، وزهدوا فيه، وحمله من ليس من أهله، فكثر الشقاق والخلاف والعصبية واتباع الهوى.

وانصرف خيار الناس إلى التزكية عن طريق السنة، فلزموا المساجد، وتركت الساحة لأهل الباطل، وبدأ الدين يخرج من حياة الناس تدريجياً، ففسدت المعاملات والمعاشرات والأخلاق، ثم بدأ الخلل في التقصير في أداء النوافل،


(١) أخرجه مسلم برقم (١٧١٨).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٢٦٥٢)، واللفظ له، ومسلم برقم (٢٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>