للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر في شأن حاطب بن أبي بلتعة لما طلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقتله؛ لأنه كتب لقريش فقال له: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» متفق عليه (١).

وموسى - صلى الله عليه وسلم - كليم الرحمن ألقى الألواح التي فيها كلام الله حتى تكسرت، ولطم عين ملك الموت ففقأها، وأخذ بلحية أخيه هارون وجره بها إليه، وهو نبي الله مثله.

وكل هذا لم ينقص من قدره شيئاً عند ربه، وربه تعالى يكرمه ويحبه.

فإن الأمر الذي قام به موسى، والعدو الذي برز له، والصبر الذي صبره، والأذى الذي أوذيه في الله، أولى أن لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور، ولا تخفض منزلته.

ومن له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها.

والعالم إذا زلّ فإنه يحسن إسراع الفيئة، وتدارك الفارط، ومداواة الجرح.

وفيه من معرفته بالله، وبأمر الله، وتصديقه بوعده ووعيده، وخشيته من ربه، وإزرائه عل نفسه بارتكابه معصيته، وإيمانه بالله، وأن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به، إلى غير ذلك من الأمور المحبوبة للرب، ما يغمر الذنب ويزيل أثره.

بخلاف الجاهل بذلك أو أكثره، فإنه ليس معه إلا ظلمة الخطيئة وقبحها، وآثارها المردية، فلا يستوي هذا وهذا.

فدل على أن سبب العقوبة قائم، لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشاهد العظيمة، والمواقف الجليلة، والنفع العميم، وهذا مقتضى الحكمة والرحمة، والجود والإحسان، وقد قال سبحانه في شأن يونس: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥)} [الصافات: ١٤٣، ١٤٤].


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٠٠٧)، ومسلم برقم (٢٤٩٤)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>