موافقته للأمور الواقعة والكتب السابقة.
ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة، ولما يرون في الأوامر والنواهي من الهداية إلى الصراط المستقيم، المتضمن لكل صفة تزكي النفس، وتنمي الأجر، وتفيد العامل وغيره كالصدق والإخلاص، وبر الوالدين وصلة الأرحام ونحو ذلك.
وتنهى عن كل صفة قبيحة تدنس النفس، وتحبط الأجر، وتوجب الإثم والوزر من الشرك والكفر، والزنا والربا، والظلم في الدماء والأموال والأعراض.
وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة تستوجب الحمد والشكر.
والله تبارك وتعالى هو الذي خلق الإنسان وعلمه القرآن.
فالإنسان إنما تعلم القرآن بتعليمه سبحانه، كما أنه صار إنساناً بخلقه، فهو سبحانه الذي خلق الإنسان، وعلمه كتابه، وعلمه البيان، كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)} [الرحمن: ١ - ٤].
والبيان الذي علمه الله للإنسان له ثلاث مراتب:
أحدها: البيان الذهني، الذي يميز فيه بين المعلومات.
الثاني: البيان اللفظي، الذي يعبر به بلسانه عن تلك المعلومات.
الثالث: البيان الخطي، الذي يخط به تلك الألفاظ التي تحمل تلك المعلومات.
فالأول بيان للقلب .. والثاني بيان للسمع .. والثالث بيان للعين.
وقد جمع الله عزَّ وجلَّ الثلاثة في قوله سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: ٧٨].
والله حكيم عليم، أعطى الإنسان علم ما فيه صلاح معاشه ومعاده، ومنع عنه علم ما لا حاجة له به، ثم يسر عليه طرق ما هو محتاج إليه من العلم أتم تيسير.
فأعطاه معرفة خالقه وبارئه ومبدعه سبحانه، ومعرفة دينه وشرعه، ويسر عليه طرق هذه المعرفة، فهي أيسر شيء وألذ شيء: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ