وكل ما يراه العبد بعينه، أو يسمعه بأذنه، أو يعقله بقلبه، وكل ما يخطر بالبال، وكل ما تدركه الحواس، فهو دليل على الرب وكمال ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وقد نصب سبحانه من الأدلة والآيات والبراهين ما يدل على وجوده ووحدانيته وصفات كماله مما لا يحصيه إلا الله، ثم ركز ذلك في الفطر، ووضعه في العقل جملة.
ثم بعث الله الرسل مذكرين به، ومفصلين لما في الفطرة والعقل العلم به جملة كما قال سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} [الذاريات: ٥٥].
وقال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠)} [الأعلى: ٩، ١٠].
وقد امتن الله على عباده بتعلم القرآن، وتعلم البيان، ونطق اللسان، فقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)} [الرحمن: ١ - ٤].
وبهذه الحروف والكلمات التي تحمل المعاني علم الله القرآن، وبها علم البيان، وبها فضل الإنسان على سائر الحيوان.
وبها أنزل كتبه، وأرسل رسله، وبها جمعت العلوم وحفظت، وبها انتظمت مصالح العباد في المعاش والمعاد.
وبها يتميز الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، وبها جمعت أشتات العلوم، وبها أمكن تنقلها في الأذهان.
وكم جلب بها من نعمة، ودفع بها من نقمة، وأقيلت بها من عثرة، وأقيم بها من حق، وهدي بها من ضلالة، وهدم بها من باطل، وأحيا بها من سنة، وأمات بها من بدعة.
وآياته سبحانه في تعليم البيان كآياته في خلق الإنسان، ولولا عجائب صنع الله ما ثبتت تلك الفضائل والمنافع في لحم وعصب.