ولما كان زمن التألم والعذاب والمجاهدة قصيره طويل، سلَّى الله أهله بأن له أجلاً ثم ينقطع، وضرب لأهله أجلاً للقائه سبحانه، ليهون عليهم أثقاله، ويخف عليهم حمله واحتماله كما قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥)} [العنكبوت: ٥].
وعبادة الله تبارك وتعالى أصل السعادة في الدنيا والآخرة، فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وميزه بمزاج لطيف عجيب، وجعل فيه ميل الانتخاب، وميل الأحسن، وميل الزينة.
ولأجل تلك الميول احتاج الإنسان في تحصيل حاجاته في مأكله ومشربه ومسكنه ومركبه وملبسه إلى الامتزاج مع أبناء جنسه، ليستفيد كل من الآخر في سائر المعاملات والحاجات.
وذلك يحتاج إلى أوامر من الله يسير عليها العباد في معاملاتهم ومعاشراتهم؛ لئلا يقع بينهم الظلم والعدوان.
ثم لتأسيس إطاعة الأوامر واجتناب النواهي احتاج العبد إلى إدامة تصور عظمة الخالق ومالك الملك في الأذهان، وذلك هو التوحيد والإيمان بالله عزَّ وجلَّ.
ثم لإدامة هذا التصور ورسوخ العقيدة في القلب، يحتاج العبد إلى مذكِّر مكرَّر، وعمل متجدد.
وما المذكر المكرر إلا العبادة من صلاة وصيام وذكر ونحوها.
فالعبادة لتوجيه القلوب والجوارح إلى الخالق الحكيم العليم القدير، والتوجه لتأسيس الانقياد، والانقياد للوصول إلى النظام الشامل لشعب الحياة كلها، والذي شرعه الله لمصالح عباده.
والإنسان كما أن له علاقة مع نفسه، ومع أبويه، ومع أقاربه، ومع جيرانه، ومع من يستفيد منه ويتعامل معه في مأكله وملبسه ومركبه ومسكنه ونحو ذلك، فكذلك له علاقة مع ربه، ومع كتابه، ومع رسوله.