للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله تبارك وتعالى هو الملك الحق المبين، وكل ما سواه عبد مملوك، والله سبحانه بيده كل شيء، وما سواه ليس بيده شيء كما قال عزَّ وجلَّ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].

والناس في العبودية قسمان:

الأول: عبيد الطاعة، وهم أهل الإيمان، والعبيد ليس لهم إلا باب سيدهم، يسألونه من فضله وإحسانه، ويلوذون به ويستعينون به، وإضافتهم إليه كإضافة البيت الحرام إليه كما قال سبحانه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)} [الفرقان: ٦٣].

الثاني: عبيد القهر والربوبية، وإضافتهم إليه كإضافة سائر المخلوقات إليه، وهذه العبودية يدخل فيها عموم الخلق كما قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} [مريم: ٩٣].

وعبادة الله عزَّ وجلَّ تقوم على أصلين:

المحبة .. والخوف.

فبالمحبة يكون امتثال الأمر .. وبالخوف يكون اجتناب النهي.

وينبغي أن يكون خوف العبد ورجاؤه سواء، فأيهما غلب هلك صاحبه، وعند الموت يُغلِّب جانب الرجاء على الخوف.

والله حكيم عليم، وله في خلقه شئون، ولا يقع في الكون شيء إلا بإذنه.

ومن سنة الله التي لا تتخلف أنه سبحانه كما أودع الماء حكمته في إزالة أوساخ الجسم به، وجعل ذلك سنة لا تتبدل، فكذلك أودع ما شرعه من أقوال العبادة وأفعالها حكمته التي تطهر النفس وتزيل عنها أدرانها.

فكما يزيل الماء الوسخ الظاهر، فكذلك العبادة تزيل الدرن الباطن، وكلاهما موضوع للتطهير، سنة الله التي لا تتبدل، وهو الحكيم الخبير: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٢٣)} [الفتح: ٢٣].

وكما أن الماء إذا لم يحسن الإنسان استعماله في غسل الأجسام والأشياء فإنه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>