فسبحان مسبب الأسباب، الفعال لما يريد، الذي لا تتحرك ذرة إلا بإذنه.
فالتوكل هو اعتماد القلب على الوكيل، ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء يحبها ويطمئن إليها كالشفقة والقوة، والمعرفة والغنى، والهداية والأمانة، وحسن التدبير، وحسن الخلق.
وإذا عرفت هذا فقس عليه التوكل على الله سبحانه، وإذا ثبت في نفسك أنه لا فاعل سواه، واعتقدت مع ذلك أنه تام العلم والقدرة، واسع الرحمة، عظيم الحلم، جزيل العطاء، وأنه ليس وراء قدرته قدرة، ولا وراء علمه علم، ولا وراء رحمته رحمة، اتكل قلبك عليه وحده لا محالة، ولم يلتفت إلى غيره بوجه من الوجوه.
وإذا لم يجد العبد هذه الحالة في نفسه فذلك إما لضعف اليقين بإحدى هذه الخصال، وإما لضعف القلب باستيلاء الجبن عليه.
فلا يتم التوكل إلا بقوة القلب، وقوة اليقين جميعاً.
وليس معنى التوكل ترك الكسب بالبدن، وترك التدبير بالعقل والقلب، والسقوط على الأرض، فهذا فعل الجهال، وهو محرم في الشرع.
وقد أثنى الله سبحانه على المتوكلين وأعلن محبته لهم.
وإنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه إلى مقاصده.
وسعي العبد إما أن يكون لجلب نفع مفقود كالكسب .. أو لحفظ موجود كالادخار .. أو لدفع ضرر لم ينزل كدفع الصائل .. أو لإزالة ضرر قد نزل كالتداوي من المرض.
فحركات العبد لا تعدو هذه الأربعة.
فالأول: جلب المنافع، وتجلب إما بأسباب مقطوع بها كالأسباب التي أمر الله بها شرعاً وجعلها سبباً كأن يكون الطعام بين يديك وأنت جائع فلا تمد يدك إليه، وتقول أنا متوكل، وشرط التوكل ترك السعي، فهذا جنون وسفه محض، ليس من التوكل في شيء.