للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظير فيقاس به.

فإن حقيقة العبد قلبه وروحه، ولا صلاح له إلا بإلهه الحق الذي لا إله إلا هو، فلا يطمئن إلا بذكره، ولا يسكن إلا بمعرفته وحبه، ومهما حصل له من اللذات والسرور بغيره فلا بدَّ أن يفارقه.

وأما إلهه الحق فلا بدَّ له منه في كل وقت وفي كل حال وأينما كان.

فنفس الإيمان به وتوحيده، ومحبته وعبادته، وذكره وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته، وصلاحه وقوامه.

فليست عبادته وشكره وذكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان، أو لمجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان، أو لمجرد رياضة النفس ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان.

بل عبادة الله وشكره ومعرفته وتوحيده قرة عين الإنسان، وأفضل لذة للروح والقلب، وأطيب نعيم ناله من أكرمه الله بهذا الشأن.

وفقر العباد إلى الله أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، وغنى الرب سبحانه لذاته لا لعلة أوجبت غناه.

فالفقير بذاته محتاج إلى الغني بذاته سبحانه.

وفقر العالم كله إلى الله عزَّ وجلَّ أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته.

فالفقر المطلق ثابت للعباد من كل وجه، والغنى المطلق ثابت للرب من كل وجه.

والفقر اسم للبراءة من رؤية الملكة، فالفقير هو الذي يجرد رؤية الملك لمالكه الحق، فيرى نفسه مملوكة لله، لا يرى نفسه مالكاً بوجه من الوجوه، ويرى أعماله مستحقة عليه بمقتضى كونه عبداً مملوكاً مستعملاً فيما أمره به سيده.

فنفسه مملوكة، وأعماله مستحقة، فليس مالكاً لنفسه ولا لشيء من أعماله، ويرى ما بيده من الأموال والأسباب كالوديعة، فهي أموال سيده ونعمه، وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>