فالله هو المالك الحق لكل شيء، وما بيد خلقه هو من أمواله وأملاكه وخزائنه، أفاضها عليهم ليمتحنهم في البذل والإحسان، وهل يكون ذلك منهم على شاهد العبودية لله، فيبذل أحدهم الشيء رغبة في ثواب الله، ورهبة من عقابه، وتقرباً إليه وطلباً لمرضاته؟.
أم يكون البذل والإمساك منهم صادراً عن مراد النفس، وغلبة الهوى، وموجب الطبع؟.
فيعطي لهواه، ويمنع لهواه، فيكون متصرفاً تصرف المالك لا المملوك؛ فيكون مصدر تصرفه الهوى ومراد النفس.
وغايته الرغبة فيما عند الخلق من جاه أو رفعة أو منزلة أو مدح، أو الرهبة من فوت شيء من هذه الأشياء.
فهذا يرى نفسه مالكاً خرج عن حد العبودية ونسي فقره.
ولو عرف نفسه حقاً لعلم أنه مملوك ممتحن، في صورة ملك متصرف كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)} [يونس: ١٤].
ووجود المال بيد الفقير لا يقدح في فقره، إنما يقدح في فقره رؤيته لملكيته، وإنما هو لسيده وهو كالخازن لسيده، الذي ينفذ أوامره في ماله، وله خزائن السموات والأرض.
وإذا أصاب المال الذي في يده نائبة أو جائحة رأى أن المالك الحق هو الذي أصاب مال نفسه، فما للعبد والجزع والهلع؟.
وإنما تصرف مالك المال في ملكه الذي هو وديعة في يد مملوكه، فله الحكم في ماله وحده:
إن شاء أبقاه .. وإن شاء أفناه .. وإن شاء زاده .. وإن شاء نقصه، فلا يتهم مولاه في تصرفه في ملكه .. بل يرى تدبيره هو موجب الحكمة.