للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفقر على ثلاث درجات:

الأولى: فقر الزهاد، وهو نفض اليدين من الدنيا ضبطاً أو طلباً، فهو لا يضبط يده مع وجود المال شحاً، ولا يطلبها مع فقدها سؤالاً وحرصاً، وإسكات اللسان عنها ذماً أو مدحاً؛ لأن من اهتم بأمر وكان له في قلبه موقع اشتغل اللسان بما فاض على القلب من أمره مدحاً أو ذماً.

فهو إن حصلت له الدنيا مدحها .. وإن فاتته ذمها .. ومدحها أو ذمها علامة موضعها من القلب، والشيء إذا صغر أعرض القلب عنه مدحاً أو ذماً.

والقلوب تولد كما تولد الأبدان.

ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أباً للمؤمنين، وأزواجه أمهاتهم، فإن قلوبهم وأرواحهم ولدت به ولادة أخرى غير ولادة الأمهات، فإنه أخرج أرواحهم وقلوبهم من ظلمات الجهل والضلال والغي، إلى نور العلم والإيمان، وفضاء المعرفة والتوحيد.

والقلوب في هذه الولادة ثلاثة:

قلب لم يولد ولم يأن له، بل هو جنين في بطن الشهوات والغي، والجهل والضلال.

وقلب قد ولد، وخرج إلى فضاء المعرفة والتوحيد، ونور العلم والإيمان، فقرت بالله عينه، وقرت عيون به وقلوب، وذكرت رؤيته بالله، فاطمأن بالله وسكن إليه.

وقلب ثالث في البرزخ ينتظر الولادة صباحاً ومساءً.

تأبى عليه غلبات المعرفة والحب والشوق إلا تقرباً إلى ربه، وتأبى عليه غلبات الطبع إلا جذبه وإيقافه وتعويقه، فهو بين هذا مرة، وهذا مرة.

الدرجة الثانية: الرجوع إلى السبق بمطالعة الفضل، وذلك يورث الخلاص من رؤية الأعمال، ويقطع شهود الأحوال.

فبفضل الله ورحمته وجدت منه الأقوال الشريفة، والأعمال الصالحة.

وبفضله ورحمته وصل إلى رضاه ورحمته وقربه وكرامته.

<<  <  ج: ص:  >  >>