للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقلب إناء واحد، والأشربة متعددة، فأي شراب ملأه لم يبق فيه موضع لغيره.

وإنما يمتلئ الإناء بأعلى أنواع الأشربة إذا صادفه خالياً، ففقر صاحب هذه الدرجة تفريغه إناءه من كل شراب غير شراب المحبة والمعرفة، وكيف يوضع شراب التسنيم الذي هو أعلى أشربة المحبين في إناء ملآن بخمر الدنيا والهوى.

فهو سبحانه الأول في كل شيء .. والآخر في كل شيء .. الظاهر فوق كل شيء .. الباطن دون كل شيء .. فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف عليها والالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضل الله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد.

فمنه سبحانه الإعداد .. ومنه الإمداد .. وفضله سابق على الوسائل .. والوسائل من مجرد فضله وجوده.

وعبوديته باسمه الآخر تقتضي كذلك عدم ركونه ووقوفه بالأسباب والوقوف معها، فإنها تنعدم لا محالة، وتنقضي بالآخرية ويبقى الدائم الباقي بعدها.

فالتعلق بها تعلق بما يموت ويفنى، والتعلق بالآخر تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول.

فالأمر ابتدأ منه سبحانه وإليه يرجع، فهو المبتدئ بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة، وإليه ينتهي الأمر حيث تنتهي الأسباب، فكان الله ولم يكن شيء غيره، وكل شيء هالك إلا وجهه، فهو سبحانه أول كل شيء وآخره، وكما أنه رب كل شيء وخالقه وبارئه فهو إلهه ومعبوده.

وعبوديته باسمه الظاهر أن يعلم أن ربه ليس فوقه شيء، له العلو المطلق على كل شيء بذاته، القاهر فوق عباده.

فالتعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود، ويجعل له رباً يقصده، ويلجأ إليه، ويتوكل عليه ويفر إليه.

وعبوديته باسمه الباطن أن يعلم أن ربه ليس دونه شيء، وأنه محيط بالعالم، وأنه العظيم الذي كل العوالم في قبضته ظاهرها وباطنها كبيرها وصغيرها فكما أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>