وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر، فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً.
وينقسم الصبر باعتبار محله إلى قسمين:
بدني .. ونفسي .. وكل منهما نوعان: اختياري واضطراري.
فهذه أربعة أقسام:
فالصبر البدني: إما اختياري كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختياراً كحمل الأشياء الثقيلة ونحوها.
وإما اضطراري كالصبر على ألم الضرب والمرض، والجراحات، والحر والبرد ونحو ذلك.
أما الصبر النفسي فهو إما اختياري كصبر النفس عما لا يحسن فعله شرعاً ولا عقلاً كالفواحش والرذائل ونحوها.
وإما اضطراري كصبر النفس عن محبوبها قهراً إذا حيل بينها وبينه.
وهذه الأقسام مختصة بنوع الإنسان دون الملائكة والبهائم .. أما الملائكة فلكمالها، وأما البهائم فلنقصانها، فإنها تشارك الإنسان في نوعين منها، وهما صبر البدن والنفس الاضطراريين، ويمتاز الإنسان عنها بالنوعين الاختياريين.
أما الجن فهم مكلفون بالصبر على الأوامر، والصبر عن النواهي كما كلفنا نحن بذلك.
لكن ما كان من لوازم النفس كالحب والبغض، والإيمان والكفر، والموالاة والمعاداة، فنحن وهم مستوون فيه.
وما كان من لوازم البدن كغسل الجنابة، وغسل الأعضاء في الوضوء، والاستنجاء وغسل الحيض، ونحو ذلك، فلا تجب مساواتهم لنا في تكلفه، وإن تعلق بهم ذلك على وجه يناسب خلقتهم وحياتهم.
وأما الملائكة فلم يبتلوا بهوى يحارب عقولهم، ولا بشهوة تزاحم عبادتهم، بل العبادة والطاعة لهم كالنفس لنا.