للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في طاعة الشيطان.

فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وتحصيل شهواتهم، وأقل الناس صبراً في طاعة ربهم.

فيصبر اللئيم على البذل في معصية الرحمن وطاعة الشيطان أتم صبر، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء.

ويصبر على تحمل المشاق في مرضاة الشيطان، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة الله.

والإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال.

فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله .. ونهي يجب عليه اجتنابه .. وقدر يجري عليه .. ونعم يجب شكر المنعم عليها .. وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات.

وكل ما يلقاه العبد في هذه الدار لا يخلو من أمرين:

أحدهما: يوافق هواه ومراده .. والآخر يخالف هواه ومراده.

وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما.

أما النوع الموافق لغرضه كالصحة والسلامة والجاه والمال، وأنواع الملاذ المباحة، وهو أحوج شيء إلى الصبر فيها، حتى لا يركن إليها ولا يغتر بها، ولا تحمله على البطر والأشر، والفرح المذموم، الذي لا يحب الله أهله.

وحتى لا ينهمك في نيلها، ويبالغ في استقصائها، فإنها تنقلب إلى أضدادها، فمن بالغ في الأكل والشرب والجماع انقلب ذلك إلى ضده، فاعتل وحرم الأكل والشرب والجماع.

وعليه أن يصبر على أداء حق الله فيها، ولا يضيعه فيسلبها، وأن يصبر عن صرفها في الحرام، فلا يمكِّن نفسه من كل ما تريده منها، فإنها توقعه في الحرام ولا بدّ.

والبلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون، وإنما كان الصبر على السراء شديداً؛ لأنه مقرون بالقدرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>