للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرجة الثانية: الصبر على طاعة الله، بالمحافظة عليها دوماً، ورعايتها إخلاصاً، وتحسينها علماً وعملاً.

وفعل الطاعة أكبر من ترك المعصية، فيكون الصبر عليها آكد، وفوق الصبر عن ترك المعصية، فإن ترك المعصية إنما كان لتكميل الطاعة، والمنهي عنه لما كان يُضعف المأمور به ويُنقصه نهي عنه؛ حماية وصيانة لجانب الأمر.

والصبر في هذه الدرجة بثلاثة أشياء:

دوام الطاعة .. والإخلاص فيه .. ووقوعها على مقتضى العلم.

والطاعة تتخلف من فوات واحد من هذه الثلاثة.

فالعبد إن لم يحافظ عليها دوماً عطلها، وإن حافظ عليها دوماً عرض لها آفتان:

الأولى: ترك الإخلاص، وحفظها من هذه الآفة برعاية الإخلاص.

والثانية: أن لا تكون مطابقة للعلم، فحفظها من هذه الآفة بتجريد المتابعة. الدرجة الثالثة: الصبر في البلاء بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج، وتهوين البلية بعد أيادي المنن، وبذكر سوالف النعم، فيعد العبد نعم الله عليه، وأياديه عنده، فإذا عجز عن عدها هان عليه ما هو فيه من البلاء، ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرة من بحر.

وبذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي، وتعداد أيادي المنن يتعلق بالحال، وملاحظة حسن الجزاء وانتظار روح الفرج يتعلق بالمستقبل.

والصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته أكمل من الصبر على أقداره والصبر لله أكمل من الصبر بالله، والصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته أكمل من الصبر على قضائه وقدره.

فصبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام على ما نالهم في الله باختيارهم وفعلهم ومقاومة قومهم أكمل من صبر أيوب على ما ناله في الله من ابتلائه وامتحانه بما ليس مسبباً عن فعله.

<<  <  ج: ص:  >  >>