وكذلك صبر إسماعيل الذبيح، وصبر أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام على تنفيذ أمر الله أكمل من صبر يعقوب على فقد يوسف عليهما الصلاة والسلام.
ومراتب الصبر أربع:
الأولى: مرتبة الكمال، وهي مرتبة أولي العزائم، وهي الصبر لله وبالله، فيكون العبد في صبره مبتغياً وجه الله، صابراً به، متبرئاً من حوله وقوته، فهذه أقوى المراتب وأرفعها وأفضلها، وفي ذروتها الأنبياء.
الثانية: أن لا يكون فيه صبر لله، ولا صبر بالله، فهذا في أخس المراتب، وهو أردأ الخلق، وهو جدير بكل خذلان، وبكل حرمان.
الثالثة: مرتبة من فيه صبر بالله، فهو مستعين ومتوكل على حول الله وقوته، متبرئ من حوله هو وقوته، ولكن صبره ليس لله فيما هو مراد الله الديني منه.
فهذا ينال مطلوبه ويظفر به ولكن لا عاقبة له، وإنما كانت عاقبته شر العواقب، وفي هذا المقام خفراء الكفار، وأرباب الأحوال الشيطانية، فإن صبرهم بالله لا لله ولا في الله.
وهم من جنس الملوك والرؤساء الظلمة، فإن الحال كالملك يعطاه البر والفاجر، والمؤمن والكافر.
الرابعة: من فيه صبر لله، لكنه ضعيف النصيب من الصبر به، والتوكل عليه، والثقة به، والاعتماد عليه.
فهذا له عاقبة حميدة، ولكنه ضعيف عاجز مخذول في كثير من مطالبه، ونصيبه من الله أقوى من نصيبه بالله.
فهذا حال المؤمن الضعيف، وصابر بالله لا لله حال الفاجر القوي، وصابر لله وبالله حال المؤمن القوي، وهو أحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وكل عبد لا يخلو قط من أن يكون في نعمة أو بلية.
فإن كان في نعمة ففرضها الشكر والصبر، أما الشكر فقيدها وثباتها، والكفيل بمزيدها.