فكان سيد الأغنياء الشاكرين، وسيد الفقراء الصابرين.
فحصل له من الصبر على الفقر ما لم يحصل لأحد سواه، وحصل له من الشكر على الغنى ما لم يحصل لغني سواه.
فكان - صلى الله عليه وسلم - أصبر الخلق في مواطن الصبر، وأشكر الخلق في مواطن الشكر، وربه عزَّ وجلَّ كمل له مراتب الكمال، فجعله في أعلى مراتب الأغنياء الشاكرين، وفي أعلى مراتب الفقراء الصابرين.
فصلوات الله وسلامه عليه عدد المخلوقات والذرات والأنفاس.
وقد جعل الله نبيه غنياً شاكراً بعد أن كان فقيراً صابراً كما قال له سبحانه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} [الضحى: ٦ - ٨].
والشكر مبني على ثلاثة أركان:
الأول: معرفة النعمة وقدرها.
الثاني: الثناء على الله المنعم بها.
الثالث: استعمالها فيما يحب موليها ومعطيها وهو الله سبحانه.
فمن كملت له هذه الثلاثة فقد استكمل الشكر.
وبمشاهدة النعمة يتولد في القلب الحب والتعظيم للمنعم، ويخبت لطاعة من أنعم بها عليه، وكلما ازداد العبد علماً ومعرفة بحقيقة النعمة ومقدارها ازداد طاعة ومحبة، وإنابة وإخباتاً، وشكراً وتوكلاً.
والشكر قيد النعم، فإن شُكرت قرّت، وإن كُفرت فرت، كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)} [إبراهيم: ٧].
وأعظم الشكر لله سبحانه هو توحيده، والإيمان به، وعبادته وحده لا شريك له.
والله تبارك وتعالى غني عن كل ما سواه، فلا يزداد ملكه شيئاً بشكر الناس له، ونسبتهم الفضل إليه، كما أنه لا يتضرر بكفرهم؛ لأنه الغني الحميد، والمنتفع