وكذلك الله عزَّ وجلَّ خالق العباد وأفعالهم الظاهرة والباطنة، فهو الذي يجعل الإيمان والهدى في القلوب، ويجعل فيها التوبة والإنابة، وأضدادها، وكل عبد مفتقر في كل لحظة إلى هداية يجعلها الله في قلبه، وحركات يحركه بها في طاعته، وهذا إلى الله سبحانه فهو خلقه وقدره.
فمن هداه وصلاحه ونجاته بيد غيره من أحق بالخوف منه؟
ومن هنا كان خوف أولياء الله من فوات الإيمان.
والعلماء هم الذين يخشون الله ويخافونه، والعلم بالذات لا يكفي في الخوف، بل لا بدَّ من العلم بأمور ثلاثة:
الأول: العلم بقدرة الله، فإن الملك مثلاً عالم باطلاع رعيته على سوء أفعاله، لكنه لا يخافهم لعلمه بأنهم لا يقدرون على دفعها.
الثاني: العلم بكونه عالماً، فالسارق من مال السلطان يعلم قدرته، ولكنه يعلم أنه غير عالم بسرقته فلا يخافه.
الثالث: العلم بكونه حكيماً، فالعامل عند السلطان عالم بكونه قادراً على منعه، وعالم بفعله للقبائح، لكنه يعلم أنه قد رضي بما لا ينبغي فلا يحصل الخوف.
فثبت أن خوف العبد من الله لا يحصل إلا إذا علم بكونه تعالى عالماً بجميع المعلومات، قادراً على جميع الكائنات، غير راض بالفواحش والمنكرات.
ولا حرج على العبد أن يخاف من المؤذيات طبعاً كالسباع والحيات ونحو ذلك، فيتحرز منها بالأسباب الواقية.
كما أنه لا حرج على المسلمين في الخوف من عدوهم حتى يعدوا له العدة المادية مع الاعتماد على الله، فنأخذ بالأسباب ولا نعتمد إلا على الله وحده.
والخوف الذي نهى الله عنه بقوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} [آل عمران: ١٧٥]، هو الخوف من المخلوق على وجه يحمل صاحبه على ترك