الواجب، أو فعل المحرم خوفاً منه، وهكذا الخوف من غير الله على وجه العبادة لغيره، واعتقاد أنه يعلم الغيب، أو يتصرف في الكون، أو ينفع أو يضر بغير مشيئة الله، كما يفعل المشركون مع آلهتهم.
وأسباب الخوف كثيرة:
فقد يكون الخوف بسبب جناية قارفها الخائف.
وقد يكون عن صفة في المخوف كمن وقع في مخالب سبع.
وقد يكون الخوف من صفة جبلية للمخوف منه كخوف من وقع في مجرى سيل، أو جوار حريق، فالماء من طبيعته الإغراق، والنار من طبيعتها الإحراق.
وكذلك الخوف من الله تعالى تارة يكون لمعرفة الله تعالى، ومعرفة صفاته، وأنه لو أهلك العالمين لم يبال، ولم يمنعه مانع.
وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي.
وتارة يكون بهما جميعاً.
فإذا كملت معرفة العبد بربه أورثت جلال الخوف، واحتراق القلب، ثم يفيض أثر الحرقة من القلب على البدن، وعلى الجوارح، وعلى الصفات. وأقل درجات الخوف مما يظهر أثره على الأعمال أن يمنع عن المحظورات والمحرمات والشبهات.
ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه، ولا وصول إلى ذلك في الآخرة إلا بمحبته والأنس به في الدنيا، ولا تحصل المحبة إلا بالمعرفة ولا تتم المعرفة إلا بالعمل ودوام الفكر، وانقطاع حب الدنيا من القلب، ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها، ولا يمكن ترك ذلك إلا بقمع الشهوات، ولا تنقمع الشهوة بشيء كما تنقمع بنار الخوف الذي يحرق كل شهوة.
فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، وفضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات، وبقدر ما يكف عن المعاصي، ويحث على الطاعات، ويختلف ذلك باختلاف درجات الخوف.