للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يقمع الشهوات .. ويكدر اللذات .. فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة .. فتحترق الشهوات بالخوف .. وتتأدب الجوارح .. ويذل القلب ويستكين .. ويفارقه الكبر والحسد .. ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة .. وحفظ الأنفاس والأوقات، وقوة المراقبة والمحاسبة والمجاهدة بحسب قوة الخوف .. وقوة الخوف بحسب قوة المعرفة بجلال الله تعالى وأسمائه وصفاته، وبعيوب النفس، وما بين يديها من الأخطار والأهوال.

والخوف من الله تعالى على مقامين:

أحدهما: الخوف من عذابه، وهذا خوف عامة الخلق، وهو حاصل بالإيمان بالجنة والنار، وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، ويضعف هذا الخوف بسبب ضعف الإيمان أو قوة الغفلة.

الثاني: الخوف من الله تعالى، وهو خوف العلماء، فإن معرفة عظمة الله وجلاله وأسمائه وصفاته تقتضي الهيبة والخوف، فهم يخافون البعد والحجاب، ويخافون من العذاب.

ولولا أن الله لطف بعارفيه، وروَّح قلوبهم بالرجاء لاحترقت من نار الخوف، وأقرب الخلق إلى الله وأعلمهم به أشدهم له خشية كالملائكة، والأنبياء والعلماء، والأولياء، والعباد، ونحن أجدر بالخوف منهم؛ لكثرة معاصينا، وجهلنا بربنا.

وإنما أَمِنّا لغلبة الجهل علينا، وشدة غفلتنا.

والصفات السيئة كالكبر، والعجب، والحسد، سباع وهوام مشحونة في باطن الإنسان، فمن قهرها وقتلها قبل الموت نجا، وإلا فليوطن نفسه على لدغها لصميم قلبه، وظاهر بشرته يوم القيامة.

والله تبارك وتعالى هو الذي بيده الحول كله، والخلق كله، والأمر كله، والقوة كلها، فالخوف والقوة التي يرجى لأجلهما المخلوق ويُخاف إنما هما لله، وبيد

<<  <  ج: ص:  >  >>