للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخوف قد يكون من الجاهل، وأيضاً الخشية تكون بسبب عظمة المخشي، بخلاف الخوف فقد يكون من ضعف الخائف لا من قوة المخوف.

وكلما قوي إيمان العبد زاد خوفه، وزال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم، والشيطان يكيد ابن آدم بذلك كما قال سبحانه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} [آل عمران: ١٧٥].

والله عزَّ وجلَّ هو المقرب والمبعد، فليحذر القريب من الإبعاد، والمتصل من الانفصال، يعلم من يصلح للقرب منه، ومن لا يصلح كما قال سبحانه:

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)} [البقرة: ٢٣٥].

والله عزَّ وجلَّ غيور، لا يرضى ممن عرفه ووجد حلاوة معرفته، واتصل قلبه بمحبته، والأنس به أن يكون له التفات إلى غيره البتة.

ومن غيرته سبحانه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والله سبحانه يغار أشد الغيرة على عبده أن يلتفت إلى غيره.

فإذا أذاق عبده حلاوة محبته، والأنس به، ثم ساكن غيره، باعده من قربه، وقطعه من وصله، وأوحش سره، وألبسه رداء الذل والصغار والهوان.

فإذا ضرب هذا القلب بسوط البعد والحجاب، وسلط عليه من يسومه سوء العذاب، وملئ من الهموم والغموم والأحزان، وصار محلاً للجيف والأقذار، وبدل بالأنس وحشة، وبالعز ذلاً، وبالقرب بعداً، كان هذا بعض جزائه.

فحينئذ تطرقه الطوارق والمؤلمات، وتعتريه وفود الأحزان والهموم بعد وفود المسرات.

ومن عرف ربه، وذاق حلاوة قربه ومحبته، ثم رجع عنه إلى مساكنة غيره، ثبط جوارحه عن طاعته، وعقل قلبه عن إرادته ومحبته، وأخره عن محل قربه،

<<  <  ج: ص:  >  >>