للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمحاسب في المجتمع:

إما الحاكم الذي نصبه الله ليقيم شرعه في الأمة.

أو المجتمع الذي يحاسب صاحب الجريمة بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،

أو النفس التي تحاسب صاحبها وتلومه وتؤنبه، أو الاعتقاد أنه محكوم أمام عيني خبير لا تخفى عليه خافية، لا يستطيع أن يستتر عنه أحد، وأنه يراقبني وسوف يحاسبني على ما عملت.

فمن لا يرجو حساباً .. ولا يتوقع سؤالاً في الدنيا والآخرة، فإنه يفسد ويهمل العمل للآخرة كما قال سبحانه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨)} [النبأ: ٢١ - ٢٨].

والمحاسبة لها ثلاثة أركان:

أحدها: أن تقايس بين نعم الله عليك وبين جنايتك، وما من الله وما منك، فيظهر لك حينئذ التفاوت، وتعلم أن ليس إلا عفوه ورحمته، أو الهلاك والعطب.

وبذلك يعلم العبد أن كل نعمة من الله فضل، وكل نقمة منه عدل، وأن النفس منبع كل شر، وأساس كل نقص، وأنه لولا فضل الله ورحمته بتزكيته لها ما زكت أبداً، ولولا هداه ما اهتدت.

ثم تقايس بين الحسنات والسيئات، فتعلم أيهما أكثر وأرجح قدراً أو صفة بالعلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشر، ويبصر به مراتب الأعمال أفضلها وأدناها، ومقبولها ومردودها، وبإساءة الظن بالنفس؛ لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال المراقبة والتفتيش، ويُلَبَّس عليه، فيرى المساوئ محاسن، والعيوب كمالاً، ويميز بين النعمة والفتنة:

فيفرق بين النعمة التي يرى بها الإحسان واللطف، ويعان بها على تحصيل سعادته الأبدية، وبين النعمة التي يرى بها الاستدراج، فكم من مستدرج بالنعم

<<  <  ج: ص:  >  >>