وعرَّفوا الخلق بالطريق الموصل إلى ربهم، وهو صراطه المستقيم الذي نصبه لرسله وأتباعهم، وهو امتثال أمره، واجتناب نهيه، والإيمان بوعده ووعيده، وعرَّفوهم بما لهم بعد الوصول إليه، وهو ما تضمنه اليوم الآخر من الجنة والنار، وما قبل ذلك من الحساب، والميزان، والحوض، والصراط.
فقعد شياطين الإنس والجن على رأس القاعدة الأولى، فحالوا بين القلوب وبين معرفة ربها، وسموا إثبات صفاته وعلوه فوق خلقه واستواءه على عرشه تشبيهاً وتجسيماً، فنفروا عنه من انخدع بمكرهم وكيدهم.
وترتب على ذلك الإعراض عن الله، وعن معرفة أسمائه وصفاته، والإعراض عن ذكره ومحبته، والثناء عليه بأوصاف كماله، وانصرفت قوى حبها وشوقها وأنسها إلى سواه.
وجاء أهل الآراء الفاسدة، والأذواق المنحرفة، والعوائد الجاهلية، فقعدوا على رأس الطريق الموصل إلى الله، وحالوا بين القلوب وبين الوصول إلى نبيها، وما كان عليه هو وأصحابه، وعابوا من خالفهم في قعودهم عن ذلك، ورغب عما اختاروه لأنفسهم، فتركوا الإيمان والأعمال الصالحة، واشتغلوا بالأموال والأشياء، ورغبوا بالدنيا عن الدين، والعادات والتقاليد عن العبادات والسنن.
وجاء أصحاب الشهوات فقعدوا على رأس طريق المعاد، والاستعداد للجنة ولقاء الله، وعمروا الدنيا، واتبعوا الشهوات، وقالوا لا نبيع حاضراً بغائب،