فلما جاء نوح - صلى الله عليه وسلم - دعاهم إلى توحيد رب العالمين مرة أخرى فترة طويلة، فما آمن معه إلا قليل، ثم جاء الطوفان لما دعا عليهم فأهلك الله به المكذبين، ونجا المؤمنين، وعمرت الأرض بهؤلاء الموحدين لرب العالمين.
حتى إذا طال عليهم الأمد انحرفوا إلى الجاهلية كما انحرف من قبلهم، حتى إذا جاء هود أهلك الله المكذبين لرسوله بالريح العقيم وهكذا.
ولقد أرسل الله كل رسول إلى قومه ليقول لهم:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[هود: ٥٠].
ونصح كل رسول قومه، وحذرهم عاقبة ما هم عليه من الشرك والجهل والظلم، وفي كل مرة وقف الملأ من علية القوم وكبرائهم في وجه كلمة الحق هذه، ورفضوا الاستسلام لرب العالمين، وأبوا أن تكون العبودية لله وحده، وأبوا أن تكون الحياة على منهج الله وحده.
فصدع كل رسول في وجه هؤلاء الطواغيت، فانقسم قومه إلى مؤمنين وكفار، وعندئذ يجيء الفتح، ويفصل الله بين الأمة المهتدية والأمة الضالة، ويأخذ المستكبرين المكذبين، وينجي الطائعين المسلمين.
وما جرت سنة الله قط بفتح ولا فصل ولا نصر قبل أن ينقسم القوم الواحد إلى أمتين على أساس العقيدة، وقبل أن يجهر أصحاب العقيدة بعبوديتهم لله وحده، وقبل أن يثبتوا في وجه الطاغوت بإيمانهم، وقبل أن يعلنوا مفاصلتهم لقومهم والبراءة منهم.
وهذا ما بينه الله في القرآن في حكاية أحوال الرسل مع أممهم .. فمصارع المكذبين للرسل تجري على سنة لا تتبدل .. نسيان لآيات الله .. وانحراف عن طريقه .. إنذار من الله للغافلين على يد رسول .. استكبار عن العبودية لله وحده .. عدم الخضوع لرب العالمين .. اغترار بالرخاء .. واستهزاء بالإنذار .. واستعجال للعذاب .. طغيان وتهديد .. وإيذاء للمؤمنين .. وثبات للمؤمنين .. ومفاصلة على العقيدة .. ثم المصرع الذي يأتي وفق سنن الله بعد التبشير والإنذار.