وطاغوت الباطل لا يطيق مجرد وجود الحق، بل يتابع الحق ويطارده، وأهل الباطل لا يطيقون رؤية الحق يعيش، ولا رؤية جماعة تدين لله وحده، وتخرج من سلطان الطواغيت كما قال قوم شعيب: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأعراف: ٨٨،٨٩].
فالطواغيت لن يتركوا أهل الإيمان إلا أن يتركوا دينهم كلية ويعودوا إلى ملة الكفر، فلا بدَّ من الصبر، وخوض المعركة، وانتظار فتح الله بعد المفاصلة، ثم تجري سنة الله بعد ذلك بالفتح: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩)} [الأعراف: ٨٩].
إن موكب الإيمان الذي يسير في مقدمته رسل الله الكرام سبقه موكب إيمان الخلائق في الكون كله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].
إن الإيمان بهذا الإله العظيم، الذي خلق السموات والأرض، والذي استوى على العرش، والذي تجري وتتحرك المخلوقات بأمره، والذي له الخلق والأمر كله، هو الذي يدعو إليه الرسل.
إن الدينونة لهذا الإله وحده هي التي يدعو إليها الرسل كافة، هي التي يدعون إليها البشرية كافة، كلما قعد لها الشيطان على صراط الله، فأضلها عنه، وردها إلى الجاهلية.
والله في القرآن الكريم يكثر من الربط بين عبودية هذا الكون لله ودعوة البشر إلى الاتساق مع الكون المطيع لربه، والذي يعيشون فيه، والإسلام لله الذي أسلم له الكون كله، والذي يتحرك مسخراً بأمره.
وفي ذلك ما يهز القلب البشري هزاً، ويستحثه من داخله على أن ينخرط في